كتبت صحيفة “النهار” تقول: اذا كانت عودة التحرّك المدني الى الشارع احتجاجاً على خطة لانشاء محرقة في بيروت شكّلت مؤشراً جديداً للخطورة القصوى التي باتت تكتسبها الملفات المتراكمة المتصلة بالكوارث البيئية المختلفة التي تظلّل لبنان فإن هذا التطور أضاف أيضاً عامل ضغط كبيراً من العوامل التي تملي استعجال تأليف حكومة جديدة تنصرف الى معالجة الأولويات التي تعني اللبنانيين وحياتهم وصحتهم واقتصادهم في المقام الأول. ولا تقتصر العوامل الضاغطة على أولويات المواطن في ظل التراجع الهائل في مستويات الخدمات الاجتماعية والبيئية وسواها، ذلك أن المجتمع الدولي الداعم للبنان واستقراره ينتظر ولادة الحكومة الجديدة لترجمة دعمه الذي ظهر خصوصاً في مقررات مؤتمر “سيدر” في باريس عشية الانتخابات النيابية في أيار الماضي.
وبرز في هذا السياق موقف فرنسي أمس عبر عنه وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان الذي تطرّق في خطابه الختامي للمؤتمر السنوي لسفراء فرنسا في العالم الى الاستحقاق الحكومي في لبنان فأعلن أن “فرنسا جاهزة لدعم أي حكومة لبنانية جديدة شرط أن يتم تطبيق مقررات مؤتمر “سيدر” والمحافظة على سياسة النأي بالنفس عن الأزمات الاقليمية”. ورأت مصادر معنية بالاتصالات الجارية لتأليف الحكومة أن الموقف الفرنسي يبدو امتداداً طبيعياً للجهود الكبيرة التي بذلتها فرنسا من أجل حشد الدعم الدولي لمؤتمر “سيدر” الذي انتهى الى وضع برمجة تنفيذية لمشاريع تحديث البنى التحتية في لبنان بما يفوق الـ 11 مليار دولار. ولفتت الى الدلالات البارزة لتذكير وزير الخارجية الفرنسي بالتزامات لبنان في شأن تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية التي تعتبر الممر الأساسي الملزم لمشاريع الدعم وهو الأمر الذي شدّد عليه الرئيس المكلف سعد الحريري تكراراً ولا يزال يشدّد عليه بما يعني أنه سيشكل أحد أبرز بنود البيان الوزاري للحكومة الجديدة.
أما في الشأن السياسي والاستراتيجي وقالت المصادر إن التذكير الفرنسي بسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية يعكس ما ينتظره الغرب والمجتمع الدولي من الحكومة الجديدة كشرط ضروري لابقاء مظلة الدعم الدولي للاستقرار الداخلي والتوافق السياسي بين مختلف الشرائح السياسية والطائفية على قاعدة تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية. واعتبرت أن جرعة التذكير هذه بالموقف الفرنسي وعبره الموقف الدولي عموماً تضع على عاتق الحكم والمسؤولين والقوى السياسية التحلّي بالحكمة الكافية لتجنب أي مغامرات غير محسوبة لأن المناخ الدولي لا يبدو مستعداً للتسامح مع حسابات خاطئة تتحملها الحكومة الجديدة من مثل إلزامها سلفاً اقامةعلاقات طبيعية مع النظام السوري ولو بحجة ملف إعادة النازحين السوريين الى سوريا.
وسط هذه الأجواء لم تظهر عناصر جدية عن إمكان حصول اختراق سياسي في جهود الرئيس الحريري لتأليف الحكومة في وقت قريب كما أوحت بعض المواقف والمؤشرات في الساعات الأخيرة. بل ان تلميح رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الاقتراب من دعوة المجلس الى جلسة تشريعية وذهاب المجلس الى التشريع وان كان يعد ضمن وسائل الضغط لاستعجال تأليف الحكومة، غير أن معطيات أخرى تشير الى أن بري يتحسب فعلاً لامكان تمدّد أزمة التأليف بما يقتضي اللجوء الى مبدأ تشريع الضرورة في غياب الحكومة. وقد شدّد بري أمام النواب أمس على أن “المجلس ذاهب الى التشريع وانه سيدعو الى جلسة تشريعية بعد أن تنتهي اللجان من درس مشاريع عديدة خصوصاً تلك المتعلقة بالوضع المالي”. ونقل عنه النواب بري انه “اذا تأخر تأليف الحكومة فسيكون هناك تشريع في المجلس”.
جعجع في “بيت الوسط”
وكانت معطيات سابقة أوردتها “النهار” قبل أيام تحدثت عن التشاور في حلقات ضيقة في احتمال البحث في توسيع مفهوم تصريف الأعمال. ومع ذلك فإن الرهانات على التحرك الجديد والمشاورات التي بدأها الحريري بعد عودته الى بيروت قبل يومين اتخذت بعداً مهماً مساء أمس حين اجتمع فجأة مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي وصل بعيد التاسعة ليلاً الى بيت الوسط وعقد اجتماعاً مع الرئيس المكلف في حضور الوزيرين غطاس خوري وملحم الرياشي واستمكل البحث الى مائدة عشاء. وعلم أن الحريري سيلتقي في الساعات المقبلة مزيداً من القيادات السياسية والحزبية من أبرزها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي” تيمور جنبلاط، علماً أن الكتلة ستعقد اجتماعاً لها بعد ظهر اليوم.
وجاءت الاشارة الثانية الى امكان تحرك عملية التأليف على لسان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عقب زيارته لقصر بعبدا عصر أمس ولقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون صرح: قال “يبدو أن الرئيس المكلف سيعرض أمام فخامة الرئيس لائحة جديدة لتشكيل الحكومة وفي اليومين المقبلين سيأتي الرئيس الحريري ليعطي الرئيس عون التشكيلة الجديدة للحكومة”. وقال البطريرك إن “الرئيس عون متفائل بالتشكيلة الحكومية الجديدة وعلينا التحلي بالصبر والتفاؤل في الايام المقبلة”. وأوضح أنه عرض مع الرئيس عون” الأوضاع الاقتصادية التي يتابعها فخامة الرئيس بشكل يومي، وقد اطلعنا فخامته على المشاريع الانمائية التي تتحضر في مختلف المناطق، وهذا أمر يفرح القلب. ونقلنا من جهتنا، هموم الناس كالعادة والمشاكل التي تحصل عندما تصدر قرارات عن مجلس شورى الدولة من غير أن تطبق، وهذا أمر لا يمكن القبول به، إذ لجأ العديد من المظلومين الى مجلس شورى الدولة الذي أصدر قرارات منحتهم حقوقهم، إلا أنها بقيت من دون تنفيذ وهذا أمر غير مقبول. وقد عبر فخامة الرئيس عن أسفه لما يحصل في هذا السياق وقال إننا في لبنان نخالف القوانين بكل بسهولة”.
وكان الرئيس فؤاد السنيورة زار صباح أمس البطريرك الراعي في بكركي وأطلعه على زيارته للفاتيكان مطلع الأسبوع المقبل إلى جانب وفد من مجلس العلاقات العربية والدولية. وأفاد المكتب الاعلامي للسنيورة أن الزيارة “كانت مناسبة للبحث في الشؤون العامة اللبنانية ومن ضمنها ما يتصل بتشكيل الحكومة اللبنانية. وكان تشديد على أهمية التمسك بصيغة العيش المشترك الإسلامي المسيحي وعلى أهمية التزام اتفاق الطائف الذي أصبح اتفاق الخيار وليس فقط اتفاق الضرورة بالنسبة الى اللبنانيين. وأيضاً التمسك بالدستور اللبناني وهو الشرعة التي يجمع عليها اللبنانيون ويجتمعون من حولها. وكذلك إعادة الاعتبار الى احترام القوانين التي يسنّها المجلس النيابي. هذا فضلاً عن ضرورة العودة إلى احترام الدولة وسلطتها الكاملة غير المنقوصة على كل مرافقها وإعادة الاعتبار الى احترام مبادئ وقواعد الكفاءة والجدارة والمحاسبة على أساس الأداء في تسلم المناصب في إدارات الدولة ومؤسساتها وتأكيد إعادة الاعتبار الى اعتماد مبدأ المداورة في تسلم الحقائب الوزارية وفي جميع المواقع الرئيسية في الإدارات والمؤسسات العامة”.
النهار