المفكرة القانونية
في حين سعى النواب إلى تجريد القضاة من صندوق تعاضد القضاة على نحو قد يهدد استقلاليتهم ومستوى العدالة في لبنان بحجة ضبط نفقات الدولة، كان من المفيد النظر إلى مجموع الرواتب والتعويضات التي تعود للرؤساء والنواب والتي ترهق الخزنة العامة. ومن أهم النتائج التي توصل إليها الباحث جورج عازر الحداد هو أن راتب النائب اللبناني يصل إلى 18 مرة الحد الأدنى للأجور، وهو من المستويات الأعلى عالميا. وللدلالة، يصل راتب النائب العراقي حيث قامت مظاهرات على خلفية رواتب النواب هنالك، إلى 15 مرة الحد الأدنى للأجور فقط. ونحصل على هذه النتيجة المدوية من دون احتساب الإضافات على راتبه من مخصصات ومبالغ إضافية تسدد من صندوق تعاضد النواب، فضلا عن التعويضات التي يتقاضاها هو أو عائلته بعد عقود من انتهاء ولايته. هذه النتائج تدعو إلى مزيد من السخط عند قياس إنتاجية النواب التي تبقى للأسف في حدها الأدنى وفق عدد من الدراسات نشرتها “المفكرة” في السنوات السابقة (المحرر).
مع كل تصحيح للأجور أو رفع للحد الأدنى أو إقرار سلسلة جديدة للرتب والرواتب، تُعتمد أرقام جديدة لكامل الهرم الوظيفي في الإدارة العامة والهيئة التعليمية الرسمية والأسلاك العسكرية والأمنية وكذلك بشأن سلاسل أساتذة الجامعة اللبنانية والقضاة. ومن المتعارف عليه أنّ التغيرات تطال أيضاً أجور ورواتب ومخصصات رئيس الجمهورية ورئيسي السلطتين التنفيذية والتشريعية والنواب والوزراء الحاليين والسابقين. وبعيداً عن المقاربات الشعبوية ومع إحالة الموازنة الحالية لمجلس النواب، أعاد النقاش بشأن سلسلة الرتب والرواتب والتعديل الأخير للقانون المتعلّق برواتب ومخصصات النواب والرؤساء الحاليين والسابقين وعائلاتهم خلال الجلسة التشريعية المنعقدة في كانون الثاني 2017 (إضافة مادة جديدة إلى الفقرة الثالثة من القانون 25/74 الصادر في 25/02/1974) الإضاءة على تفاصيل هذه الرواتب والمخصصات.
أولاً، وفق جداول وزارة المالية، تحدّد الرواتب الشهرية للمسؤولين السياسيين خلال خدمتهم كالآتي:
رئيس الجمهورية 18.75 مليون ليرة لبنانية، رئيس مجلس النواب 17.737 مليون ل.ل، رئيس مجلس الوزراء 17.737 مليون ل.ل، الوزير 12.937 مليون ل.ل والنائب 12.75 مليون ل.ل. وعليه، يحصل مجمل الوزراء ال 29 (دون رئيس الحكومة) على 375.173 مليون ل.ل. شهرياً ومجمل النواب ال 126 (دون رئيس المجلس ومع وضع مقعد دائرة كسروان الشاغر جانباً) على 606.5 1 مليون ل.ل. شهرياً. ومع إضافة رواتب رئيس الجمهورية ورئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى رواتب النواب والوزراء الحاليين، تصل مجمل رواتب ال 158 مسؤول إلى 035.897 2 مليون ل.ل. شهرياً أي ما يوازي سنوياً (000 764 430 24 ل.ل.).
ثانياً، إضافة لرواتب وأجور البرلمانيين، تشمل موازنة مجلس النواب (الباب 2) صندوقاً تعاضدياً للنواب (ضمن الفصل 1). ويحصل كلّ نائب (رئيس المجلس ضمناً) على 2.7 مليون ليرة شهرياً من هذا الصندوق، أي 4 مليار و114 مليون و800 ألف ليرة سنوياً (000 800 114 4 ل.ل.) لمُجمل النواب ال 127 (مقعد كسروان شاغر). يُموّل هذا الصندوق من إشتراكات النواب بقيمة 100 ألف ليرة شهرياً وما تبقى من موازنة مجلس النواب. وعلى سبيل المثال، خُصّص لهذا الصندوق 13 مليار ليرة من موازنة مجلس النواب وفق مشروع موازنة العام 2012[1]. أُقرّ هذا المبلغ التعاضدي عام 1994[2] عندما كانت رواتب ومخصصات النواب أقلّ مما هي عليه اليوم وما زال يُعمل به.
ثالثاً، إضافة للرواتب والمبلغ التعاضدي، يتقاضى النواب مخصصات. يحصل النائب وأسرته (المقصود بأسرته الزوجة والإبن غير العامل دون ال25 والإبنة غير العاملة والعزباء/المطلّقة أياً كان عمرها) على ضمان طبي مجاني وفق عقد استشفاء مع شركة تأمين خاصة. فالنواب لا يخضعون للصندوق الوطني للضمان الإجتماعي.
كما تختلف المصادر بشأن ما يسمى “نفقات إسفلت”، إذ يحصل كل نائب على 100 مليون ليرة سنوياً من موازنة وزارة الأشغال العامة والنقل (وفق رشا أبو زكي)[3] و15 مليون ليرة (وفق كتاب فواز طرابلسي)[4]. ويُستفاد من هذا المبلغ في إطار الإنفاق الإنتخابي. ونشير إلى أنّ بحثنا الإقتصادي ضمن جداول نفقات وزارة الأشغال العامة والنقل لا يبيّن هذا البند الإنفاقي في بيانات التبويب (الباب التاسع بفصوله الخمسة وبوظائفه المختلفة وبجزئيه وشقي الجزء الثاني)، وذلك على عكس المصدرين المشار إليهما أعلاه.
رابعاً، إضافة للرواتب والتعاضد والمخصصات، يستفيد النواب من الإعفاءات؛ إذ يُسمح لكل نائب بشراء سيارة كل 4 سنوات معفاة من الرسوم الجمركية وبأربع بطاقات سفر من الدرجة السياحية مع حسم يتراوح بين 55 و75%. مع الإشارة إلى أنّ 87 نائباً من بين 130 منذ انتخابات العام 2009 (128 + 2 بفعل الإنتخابات الفرعية في الكورة وجزين) اشتروا سيارة خلال ولاية المجلس النيابي الحالي مع التمديد (الرقم منذ 2009 إلى 2016)؛ فيما اشترى أحدهم سيارة وصل سعرها إلى 800 ألف دولار معفاة من الرسوم الجمركية[5]. ويُضاف إلى الإعفاءات المذكورة باقة شقيقات غير قانونية وفق الدكتور فواز طرابلسي[6]، إذ أنّ معظم النواب لا يدفعون رسوم الكهرباء أو البلدية.
وإذا وضعنا جانباً المخصصات (لعدم التأكد من قيمتها ودقّتها)، يصل مجمل مبلغ رواتب وتعاضد الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين إلى 28 مليار و545 مليون و564 ألف ليرة سنوياً (000 564 545 28 ل.ل.)، أي حوالي 29 مليار ليرة سنوياً.
37 مليار ليرة، تعويضات للرؤساء والنواب السابقين
إنّ المبالغ والإعفاءات الواردة أعلاه تشمل الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين. لكن في لبنان 3 رؤساء جمهورية (الرؤساء أمين الجميل وإميل لحود وميشال سليمان) ورئيس مجلس نيابي (الرئيس حسين الحسيني) و4 رؤساء حكومات (الرؤساء سليم الحص ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام) و305 نواب سابقون[7] هم على قيد الحياة، إضافةً إلى 4 رؤساء جمهورية (الرؤساء سليمان فرنجية وبشير الجميل ورينيه معوض والياس الهراوي) و3 رؤساء حكومة (الرؤساء رشيد الصلح ورشيد كرامي ورفيق الحريري) و109 نواب متوفين لهم أزواج وعائلات يستفيدون بأنفسهم (إن كانوا أحياء) أو تستفيد عائلاتهم (إن كانوا متوفين) من تعويضات ما بعد الخدمة.
أولاً، يتقاضى رؤساء الجمهورية والسلطتين التشريعية والتنفيذية السابقون الذين هم على قيد الحياة ما يوازي 75% من رواتبهم التي كانوا يحصلون عليها أثناء الخدمة الفعلية (وفق المادة 3 من القانون 25/74 المتعلقة برواتب ومخصصات النواب والرؤساء السابقين وعائلاتهم). وبعملية حسابية بسيطة، يصل تعويض رئيس جمهورية سابق إلى 500 062 14 ليرة لبنانية شهرياً، وتعويض رئيس مجلس نيابي (دون التعاضد) أو وزراي سابق إلى 750 302 13 ليرة شهرياً؛ فيما يبقى غامضاً وضع رئيس مكلّف بتشكيل حكومة وقّع رئيس الجمهورية على مرسوم تأليفها دون أن تحصل على ثقة المجلس النيابي (أي رئيسها ووزرائها يصرفون الأعمال بدل الحكومة السابقة التي وقّع رئيس الجمهورية مرسوم اعتبارها مستقيلة). ووفق عملية حسابية، تصل مجمل تعويضات رؤساء الجمهورية والمجالس النيابية ومجالس الوزراء ال 8 السابقين والأحياء إلى 1 مليار و304 مليون و415 ألف ليرة سنوياً (000 415 304 1 ل.ل.).
ثانياً، يتقاضى النواب السابقون الذين هم على قيد الحياة 55% من رواتبهم الشهرية التي كانوا يحصلون عليها عندما كانوا ضمن الندوة البرلمانية في حال خدم النائب السابق دورة نيابية واحدة وكاملة (أي 500 012 7 ل.ل.)، وتصل النسبة إلى 65% في حال بلغت الخدمة دورتين كاملتين (أي 500 287 8 ل.ل.) وإلى 75% في حال خدم النائب السابق ثلاث دورات نيابية أو أكثر (أي 500 562 9 ل.ل.) (وفق المادة 3 من القانون السابق ذكره). أما في حالة وفاة النائب خلال دورته الأولى اعتُبر كأنه أمضى ثلاث دورات. وتجنباً لأي مبالغة في العملية الحسابية، سنأخذ الإحتمال الأكثر تحفّظاً ونعتبر أنّ النواب ال305 السابقين الأحياء قد خدموا جميعهم دورة واحدة، وعليه تصل مجمل تعويضات النواب السابقين الأحياء إلى 25 مليار و655 مليون و750 ألف ليرة سنوياً (000 750 665 25 ل.ل.).
ثالثاً، تُحال التعويضات المذكورة أعلاه إلى عائلة رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الوزراء أو النائب بعد وفاته. والمقصود بالعائلة، أرملة الرئيس أو النائب وأبنائه دون ال25 من العمر (طالما أنهم لا يعملون) وبناته مدى حياتهن طالما أنهنّ غير متزوجات/مطلقات ولا يعملن. قبل تعديل القانون 25/74 (المشار إليه أعلاه) في كانون الثاني 2017، كانت عائلة الرئيس أو النائب السابق تتقاضى نسبتها (75% أو 65% أو 55%) من تعويض الرئيس أو النائب السابق بعد الخدمة. أما بعد التعديل السابق ذكره، أصبحت العائلة تتقاضى نسبتها من الراتب أثناء الخدمة وليس من التعويض أي أنها تتقاضى التعويض كاملاً كالرئيس أو النائب. للتوضيح، في حالة رئيس جمهورية سابق مثلاً، كانت العائلة تتقاضى 875 546 10 ل.ل. شهرياً أي 75% من التعويض البالغ 500 062 14 ل.ل. قبل التعديل (أي 56.25% من الراتب أو ما يوازي 75% من ال75% من الراتب)، أما بعد التعديل، أصبحت العائلة تتقاضى ال 500 062 14 ل.ل. كاملةً أي 75% من الراتب أثناء الخدمة (أي 100% من التعويض كاملاً) كالرئيس السابق خلال حياته. ويمكن احتساب مبلغ تعويضات عائلات رؤساء الجمهورية والمجالس النيابية ومجالس الوزراء ال7 السابقين والمتوفين الذي يبلغ (000 899 153 1 ل.ل.) سنوياً. أما بالنسبة لعائلات النواب السابقين، فسنأخذ مرّة ثانية الاحتمال الأكثر تحفّظاً ونعتبر أنّ النواب ال 109 السابقين قد خدموا جميعهم دورة واحدة، وعليه تصل مجمل تعويضات عائلات النواب السابقين المتوفين إلى (000 350 172 9 ل.ل.) سنوياً.
وبالتالي، يصل مجمل مبلغ تعويضات الرؤساء والنواب السابقين وعائلاتهم (للمتوفّين منهم) بأقل تقدير إلى 37 مليار و296 مليون و414 ألف ليرة سنوياً (000 414 296 37 ل.ل.).
وعليه، يصل المجموع السنوي لرواتب وتعويضات الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين وعائلات المتوفين منهم إلى 65 مليار و841 مليون و978 ألف ليرة لبنانية سنوياً (000 978 841 65 ل.ل.)، حتماً هذا المبلغ هو بأقلّ تقدير.
رواتب وتعويضات الرؤساء والوزراء النواب الحاليين والسابقين – سنوياً بملايين الليرات
ويبلغ المجموع ما يزيد على خمس مرات موازنة وزارة البيئة (000 500 601 12) وفق جداول العام 2012 (آخر مشروع موازنة مُرسل إلى السلطة التشريعية قبل فتح اعتمادات الإنفاق الاستثنائية).
واجمعوا ما طاب لكم من المخصصات مَثنىٰ وَثُلاثَ ورُباعَ
تتعدّد في لبنان حالات الجمع بين المناصب العامة (رئيس وقائد سابق للجيش، وزير ونائب، نائب وعميد سابق…)، لذلك وجب أخذ هذا الأمر بعين الإعتبار عند دراسة رواتب ومخصصات المسؤولين. بشأن الرواتب، لا يمكن الجمع بين راتبين، أي أنّ النائبَ الوزير لا يحصل على راتبين. ولكن يمكن الجمع بين التعويض الرئاسي أو النيابي والراتب التقاعدي للرؤساء والنواب إن كانوا موظفين سابقين قبل الرئاسة أو النيابة، فيحصل النائب والموظف السابق على تعويضٍ نيابي وراتب تقاعدي وظيفي. مثلاً يمكن للرئيسين السابقين للجمهورية إميل لحود وميشال سليمان (وهما قائدان سابقان للجيش) الجمع بين الراتب العسكري التقاعدي لكل منهما وتعويضيهما كرئيسين سابقين[9]، أي يحصلان إضافةً إلى الراتب التقاعدي العسكري لكل منهما على 75% من راتب رئيس أثناء الخدمة (كما ورد سابقاً). ويمكن للنواب الذين كانوا يشغلون مناصب في القطاع العام أن يحصلوا على تعويضات التقاعد من وظائفهم السابقة مضافاً إليها التعويضات التي يحصلون عليها كنواب سابقين مدى حياتهم (النسبة وفق عدد الدورات النيابية كما ورد سابقاً)؛ أي يمكن لنائبٍ وعميدٍ سابقٍ مثلاً (وهم كثيرون) أن يراكم تعويضين (نيابي وعسكري) في الآن عينه[10].
رواتب الرؤساء والنواب في لبنان من الأعلى في العالم
لاستكمال الصورة العامة، لا بدّ من مقارنة رواتب النواب في لبنان بنظرائهم في دول العالم. وكون المقارنة لا تجوز بأرقام الراتب، حتى لو وحدّنا العملة بالدولار مثلاً، بفعل اختلاف القدرة الشرائية للدولار الواحد مثلاً بين لبنان وسائر الدول، سنعمل على مقارنة رواتب النواب في كل دولة وفق الحدّ الأدنى للأجور.
يُعتبر راتب النائب اللبناني من الأعلى في العالم قياساً بالحد الأدنى للأجور. يبلغ راتب النائب (12.75 مليون ليرة) مقسوماً على الحد الأدنى للأجور إلى 18.88 مرة. ومع أخذ الاحتمال الأكثر تحفظاً، يبقى المؤشّر اللبناني (18.88/1) من الأعلى عربياً وإقليمياً، إذ يصل إلى 16/1 في مصر والبحرين، 15/1 في تونس والعراق (حيث قامت تظاهرات شعببية ضد رواتب النواب) و13/1 في الأردن. أما دولياً، فيزداد الفارق بين لبنان وسائر الدول إذ بلغ المؤشّر 10/1 في الولايات المتحدة وفرنسا و6/1 في بريطانيا[11]. أي أنّ راتب نائب بريطاني هو 6 أضعاف الحد الأدنى للأجور في بلده فقط فيما راتب نائب لبناني هو أكثر من 18 ضعف الحد الأدنى للأجور في لبنان.
نقلا عن Lebanonfiles.com